يتأثر جسد المرأة بالحمل كثيراً، فتحدث به تغيرات فسيولوجية عديدة بعضها  يرى بالعين والبعض الآخر يحدث داخل الجسد للأعضاء الداخلية؛ لتتهيأ لاستقرار الجنين وتوفير احتياجاته داخل الرحم خلال فترة الحمل، فكما يتمدد الرحم ليتسع للجنين ويزداد حجم الرئة خمسين بالمائة من حجمها الأصلي وتتسارع ضربات القلب لدفع الدم بالقدر الكافي، فيعمل الجسد كمنظومة متكاملة تتأقلم مع حدث الحمل الجديد الذي طرأ على جسد المرأة الحامل، فتحدث كل هذه التغيرات بالحمل ثم تختفي بتدرج من بعد الولادة ليعود الجسد لطبيعته كما كان قبل الحمل، وقد تكون بعض التغيرات طبيعية خلال الحمل وتنتهي معه، وقد يكون بعضها أثراً جانبياً للحمل يجب متابعته وعلاجه في بعض الأحيان، فدعينا نتعرف سوياً على إحدى هذه التغيرات التي قد تحدث مصاحبة للحمل، ألا وهو فرط نشاط الغدة الدرقية بالحمل.

كيف يؤثر الحمل على نشاط الغدة الدرقية؟

تُظهر اختبارات وظائف الغدة الدرقية تغيرات طفيفة خلال الفصل الأول للحمل، فيزداد مستوى هرمون الغدة الدرقية؛ نتيجة لارتفاع مستوى هرموني الحمل (هرمون الغونادوتروبين المشيمي البشري، وهرمون الاستروجين) فكلاً من هرموني الحمل يؤثر على الغدة الدرقية بطريقة مختلفة، فارتفاع مستوى هرمون الغونادوتروبين المشيمي البشري بالدم يُزيد من نشاط الغدة الدرقية، كما يزيد هرمون الاستروجين من البروتينات الحاملة لهرمون الغدة الدرقية بالدم؛ والذي يؤدي إلى ارتفاع المجموع الكلي لمستوى هرمون الغدة الدرقية بالدم خلال الفصل الأول للحمل.

لذا يُمكننا أن نُجمع القول أن الحمل يُسبب ازدياد نشاط الغدة الدرقية، كتغير طبيعي، خلال الفصل الأول للحمل ( الثلاثة أشهر الأولى للحمل) و من ثم يعود مستوى هرمون الغدة الدرقية لمعدله الطبيعي خلال باقي الحمل، فلا يشكل ازدياد نشاط الغدة الدرقية خطراً على المرأة الحامل والجنين فهو تغير طبيعي مؤقت، غير أنه في بعض النساء يكون الأمر أكثر من ازدياد نشاط بل يصل إلى فرط نشاط الغدة الدرقية بالحمل، والذي يُعد تغير غير طبيعي يحتاج للمتابعة مع الطبيب والحذر الشديد خلال فترة الحمل لتجنب مضاعفاته.

فرط نشاط الغدة الدرقية بالحمل

تختلف أسباب فرط نشاط الغدة الدرقية بالحمل، ولحسن الحظ فإن مرض فرط نشاط الغدة الدرقية نادر الحدوث للنساء الحوامل، فتُصاب به أقل من واحد بالمائة من النساء خلال الحمل، كما أن أعراض فرط نشاط الغدة الدرقية بالحمل قد لا يُنتبه لها من قبل المرأة الحامل، أو طبيبها لأن أعراض فرط نشاط الغدة الدرقية تُشبه كثيراً الأعراض المصاحبة للحمل المعتادة، فقد تتساءلين الآن كيف أعرف إذا كنت أعاني من فرط نشاط الغدة الدرقية بالحمل أم أنها أعراض الحمل الطبيعية، فللإجابة على هذا السؤال نحتاج أولاً أن نتطرق إلى أسباب فرط نشاط الغدة الدرقية بالحمل.

أسباب فرط نشاط الغدة الدرقية بالحمل

أولاً: ازدياد هرمون الغونادوتروبين المشيمي البشري، فيكون مستواه مرتفعاً جداً بالمرأة الحامل بتوأم، أو بعض النساء الحوامل الذي يظهر ارتفاعه لديهن في صورة قيئ وغثيان حاد، وعادة ما يخفت نشاط الغدة بعد الأسبوع الثامن عشر، أي الشهر الرابع للحمل تقريباً،  ليعود هرمون الغدة الدرقية لمعدله الطبيعي.

ثانياً: قد تًصاب المرأة الحامل بفرط نشاط الغدة الدرقية بالحمل، لتكون عُقد بالغدة الدرقية، والتي تنتج الكثير من هرمون الغدة الدرقية، ويزداد حجم الغدة ولكن قد لا يمكن التحقق من ازدياد الحجم بالفحص العادي.

ثالثاً: قد تكون المرأة الحامل مصابة بداء غرافيز(Gravesdisease)، وهذا هو السبب الأكثر شيوعا لحدوث فرط نشاط الغدة الدرقية بالحمل، وهو عبارة عن مرض مناعي يؤدي إلى فرط نشاط الغدة الدرقية، وهنالك ثلاثة احتمالات لهذا السبب:

1. أن المرأة الحامل قد كانت مصابة بداء غرافيز ولم تكتشفه قبل الحمل، وزادت الأعراض خلال الحمل فاكتشفته.

2. أن الحمل نفسه قد حفز ظهور المرض لدى المرأة الحامل، ولم تكن تُعاني منه سابقاً.

3. أن المرأة الحامل مصابة بداء غرافيز من قبل الحمل وتعرف فتتابع مع طبيبها، وتحتاج للتخطيط للحمل وتعديل جرعة الدواء فالايودين الاشعاعي المستخدم عادة لعلاج داء غرافيز لا يتناسب مع الحمل.

لذا إذا كانت تتوافر لديك أحد الظرفين المذكورين بالسبب الأول، ننصحك بالمتابعة مع الطبيب وعمل الفحوصات اللازمة للتأكد من نشاط الغدة الدرقية، و إذا كنت تشعرين بالإجهاد الدائم خلال الحمل وإزدياد شعورك بالحر فننصحك كذلك بمتابعة مستوى هرمون الغدة الدرقية بعد استشارة الطبيب كإجراء وقائي، فقد تكون هذه الأعراض بالنهاية أعراض الحمل الطبيعية، وأخيرا لن يمكننا التنبؤ بإذا كنت عرضة لأحد السببين الآخرين أم لا؛ لذا تُعد فحوصات ما قبل الحمل والتخطيط للحمل هما الحل المثالي، فالوقاية خير من العلاج.

نهاية دعينا لا ننسى أن نسبة حدوث فرط نشاط الغدة الدرقية ضئيل جداً، وإذا حدث لأي من الأسباب المذكورة، حتى إذا كنت مصابة بداء غرافيز، فيؤكد الأطباء أن حالة المرأة الحامل تتحسن مع تقدم شهور الحمل، كما أن نشاط الغدة الدرقية يعود لطبيعته بعد الولادة، و بالمتابعة المستمرة مع الطبيب  والعلاج اللازم إن استدعت الحالة ضروريان لتخطي هذه المرحلة بسلام وأان كِ ولجنينك.